فصل: الخبر عن فتح سجلماسة الثاني ودخولها عنوة على بني عبد الواد والمنبات من عرب المعقل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن فتح سجلماسة الثاني ودخولها عنوة على بني عبد الواد والمنبات من عرب المعقل:

قد ذكرنا ما كان من تغلب الأمير أبي يحيى بن عبد الحق على سجلماسة وبلاد درعة وأنه عقد عليها وعلى سائر بلاد القبلة ليوسف بن يزكاسن وأنزل معه ابنه مفتاحا المكنى بأبي حديد في مشيخته لحياطتها وأن المرتضى سرح وزيره ابن عطوش سنة أربع وخمسين وستمائة في العساكر لارتجاعها فنهض الأمير أبو يحيى إليه وشرده عنها ورجعه على عقبه وأن يغمراسن بن زيان من بعد واقعة أبي سليط سنة خمس وخمسين وستمائة قصدها لعورة دل عليها وغرة أمل إصابتها فسابقه إليها الأمير أبو يحيى ومالقه من دونها ورجع عنها خائب المسعى مفلول الحامية وكان الأمير أبو يحيى من بعد أن عقد عليها ليوسف بن يزكاسن عقد عليها من بعده لسنة ونصف من ولايته ليحيى بن أبي منديل كبير بني عسكرا قتالهم ومقاسميهم نسب محمد بن وطيص ثم عقد عليها لشهرين لمحمد بن عمران ابن عبلة من بني يرنيان صنائع دولتهم واستعمل معه على الجباية أبا طالب الحبشي وجعل مسلحة الجند بها لنظر أبي يحيى القطراني وملكه قيادتهم وأقاموا على ذلك سنتين اثننين.
ولما هلك الأمير أبو يحيى وشغل السلطان أبو يوسف بحرب بغمراسن ومنازلة مراكش سما للقطراني أمل في الاستبداد بها وداخل في ذلك بعض أهل الفتن وظاهره يوسف بن الغزي وفتكوا بعمار الورند غزاني شيخ الجماعة بالبلد وائتمروا بمحمد بن عمران بن عبلة فخرج ولحق بالسلطان واستبد القطراني بها ثم ثار به أهل البلد سنة ثمان وخمسين وستمائة لسنة ونصف من لدن استبداده وقتلوه وصرفوا بيعتهم إلى الخليفة المرتضى بمراكش وتولى كبر ذلك القاضي ابن حجاج وعلي بن عمر فعقد له المرتضى عليها وأقام بها أميرا ونازلتهم عساكر بني مرين والسلطان أبو يوسف سنة ستين وستمائة ونصب عليها آلات الحصار فأحرقوها وامتنعوا أفرج عنهم وأقام علي بن عمر في سلطانه ذلك ثلاث سنين ثم هلك وكان الأمير يغمراسن بن زيان منذ غلب الموحدين على تلمسان والمغرب الأوسط وصار في ملكته تحيز إليه من عرب المعقل قبيل المنبات من ذوي منصور بما كانت مجالات المعقل مجاورة لمجالات بني يادين في القفر وإنما ارتحلوا عنها بعدما جأجأ يغمراسن من بني عامر بمجالاتهم من مصاب ببلاد بني يزيد فزاحموا المعقل بالمناكب عن مجالاتهم ببلاد فيكيك وصا ورحلوهم إلى ملوية وما وراءها من بلاد سجلماسة فملكوا تلك المجالات ونبذ يغمراسن العهد إلى ذوى عبيد الله منهم واستخلص المنبات هؤلاء فكانوا له حلفاء وشيعة ولقومه ودعوته خالصة وكانت سجلماسة في مجالاتهم منقلب ظعنهم وناجعتهم ولهم فيها طاعة معروفة فلما هلك علي بن عمر آثروا يغمراسن بملكها فحملوا أهل البلد على القيام بطاعته وخاطبوه وجأجؤا به فخشيها بعساكره وملكها وضبطها وعقد عليها لعبد الملك بن محمد بن علي بن قاسم بن درع من ولد محمد بن زكراز بن يندوكس ويعرف بابن حنينة نسبه إلى أم أبيه أخت يغمراسن ومعه يغمراسن بن حمامة وأنزل معهما ولده الأمير يحيى لإقامة الرسم الملوكي ثم أداله بأخيه من السنة الأخرى وكذا كان شأنه في كل سنة ولما فتح السلطان أبو يوسف بلاد المغرب وانتظم أمصاره ومعاقله في طاعته وغلب بنى عبد المؤمن على دار خلافتهم ومحا رسمهم وافتتح طنجة وطوع سبتة مرفأ الجواز إلى العدوة وثغر المغرب سما أمله إلى بلاد القبلة فوجه عزمه إلى افتتاح سجلماسة من أيدي عبد الواد المتغلبين عليها وأدالة دعوته فيها من دعوتهم فنهض إليها في العساكر والحشود في رجب من سنة اثنتين وسبعين وستمائة فنازلها وقد حشد إليها أهل المغرب أجمع من زناتة والعرب والبربر وكافة الجنود والعساكر ونصب عليها آلات الحصار من المجانيق والعرادات وهندام النفط القاذف بحصى الحديد ينبعث من خزانه أمام النار الموقدة في البارود بطبيعة غريبة ترد الأفعال إلى قدرة باريها فأقام عليها حولا كريتا يغاديها القتال ويراوحها إلى أن سقطت ذات يوم على حين غفلة طائفة من سورها بإلحاح الحجارة من المنجنيق عليها فبادروا إلى اقتحام البلد فدخلوها عنوة من تلك الفرجة في صفر من سنة ثلاث وسبعين وستمائة فقتلوا المقاتلة والحامية وسبوا الذرية وقتل القائدان عبد الملك بن حنينة ويغمراسن بن حمامة ومن كان معهم من بنى عبد الواد وأمراء المنبات وكمل فتح بلاد المغرب للسلطان أبي يوسف وتمشت طاعته في أقطاره فلم يبق فيه معقل يدين بغير دعوته ولا جماعة تتحيز إلى غير فيئته ولا أمل ينصرف إلى سواه ولما كملت له نعم الله في استيساق ملكه وتمهيد أمره انصرف أمله إلى الغزو وإيثار طاعة الله بجهاد أعدائه واستنقاذ المستضعفين من وراء البحر من عباده على ما نذكره إن شاء الله تعالى ولما انكفأ راجعا من سجلماسة قصد مراكش من حيث جاء ثم وقف إلى سلا فأراح بها أياما ونظر في شؤونها وسد ثغورها وبلغه الخبر بوفادة أبي طالب صاحب سبتة الفقيه أبي القاسم العزفي على فاس فأغذ السير إلى حضرته وأكرم وفادته وأحسن منقلبه إلى أبيه مملوء الحقائب ببره رطب اللسان بشكره ثم شرع في إجازة ولده كما نذكره الآن إن شاء الله تعالى.